الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ أبي الفداء **
فيها سار الفرنج إلى عسقلان وشرعوا في عمارتها في المحـرم والسلطـان بالقـدس. وفيهـا قتـل المركيـس صاحـب صـور لعنـه اللـه تعالـى قتلـه بعـض الباطنية وكانوا قد دخلوا في زي الرهبان إلى صور. ذكر عقد الهدنة مع الفرنج وعود السلطان إلى دمشق: وسبب ذلك أن ملك الأنكتار مرض وطال عليه البيكار فكاتب الملك العادل يسأله الدخول على السلطان في الصلح فلم يجبهم السلطان إلى ذلك ثم اتفق رأي الأمراء على ذلك لطول البيكار وضجر العسكر. ونفاد نفقاتهم فأجاب السلطان إلى ذلك واستقر أمر الهدنة في يوم السبت ثامن عشر شعبان وتحالفوا على ذلك في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان ولم يحلف ملك الأنكتار بل أخذوا يـده وعاهـدوه واعتـذر بـأن الملـوك لا يحلفـون وقنـع السلطـان بذلك وحلف الكندهري ابن أخيه وخليفته في الساحل وكذلك حلف غيره من عظماء الفرنج ووصـل ابـن الهنفـري وباليـان إلى خدمة السلطان ومعهما جماعة من المقدمين وأخذوا يد السلطان على الصلح واستحلفـوا الملـك العـادل أخـا السلطـان والملـك الأفضـل والظاهـر ابنـي السلطـان والملك المنصور صاحب حماة محمد بن تقي الذين عمر والملك المجاهد شيركوه بن محمد بن شيركوه صاحب حمص والملك الأمجد بهرام شـاه بـن فرخشـاه صاحـب بعلبـك والأميـر بـدر الدين أيلدرم الباروقي صاحب تل باشر والأمير سابق الدين عثمان ابن الداية صاحب شيرز والأميـر سيف الدين علي بن أحمد المشطوب وغيرهم من المقدمين الكبار وعقدت هدنة عامة فـي البحـر والبـر وجعلـت مدتهـا ثلاث سنين وثلاثة أشهر. أولها أيلول الموافق لحادي وعشرين من شعبان. وكانـت الهدنـة علـى أن يستقـر بيـد الفرنـج يافـا وعملهـا وقيساريـة وعملهـا وأرسـوف وعملهـا وحيفا وعملها وعكا وعملها وأن تكون عسقلان خراباً واشترط السلطان دخول بلاد الإسماعيليـة فـي عقـد هدنتـه واشتـرط الفرنـج دخول صاحب أنطاكية وطرابلس في عقد هدنتهم وأن يكون لد والرملة مناصفة بينهم وبين المسلمين فاستقرت القاعدة على ذلك. ثم رحل السلطان إلى القدس في رابع شهر رمضان وتفقد أحواله وأمر بتشييد أسوار وزاد في وقف المدرسة التي عملها بالقدس وهذه المدرسة كانت قبل الإسلام تعرف بصندحنة يذكرون أن فيها قبر حنة أم مريم ثم صارت في الإسلام دار علم قبل أن يتملك الفرنج بالقدس ثم لما ملك الفرنج القدس في سنة اثنين وتسعين وأربعمائة أعادوها كنيسة كما كانت قبل الإسلام فلما فتح السلطان القدس أعادها مدرسة وفوض تدريسها ووقفها إلى القاضي بهاء الدين بن شداد. ولما استقر أمر الهدنة أرسل السلطان مائـة حجـار لتخريـب عسقلـان وأن يخرج من بها من الفرنج وعزم على الحج والإحرام من القدس وكتب إلى أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن بذلك ثم فنده الأمراء وقالوا: لا نعتمد على هدنة الفرنج خوفاً من غدرهم فانتقض عزمه عن ذلك ثم رحل السلطان عن القدس لخمس مضين من شوال إلى نابلس ثم سار إلى بيسان ثم إلى كوكب فبات بقلعتهما ثم رحل إلى طبرية ولقيه بها الأمير بهاء الدين قراقوش الأسدي وقد خلص من الأسر وكان قد أسر بعكا لما أخذها الفرنج مع من أسر فسار قراقوش مع السلطان إلى دمشق ثم سار منها قراقوش إلى مصر. ثم سار السلطان إلى بيروت ووصل إلى خدمته بيمند صاحب أنطاكية يوم السبت حادي وعشرين شوال فأكرمه السلطان وفارقه غد ذلك اليوم وسار السلطان إلى دمشق ودخلها يوم الأربعـاء لخمـس بقيـن مـن شـوال وفـرح النـاس بـه لـأن غيبتـه كانـت عنهـم مـدة أربـع سنين وأقام العدل والإحسان بدمشق وأعطى السلطان العساكـر الدستـور فودعـه ولـده الملـك الظاهـر وداعـاً لا لقـاء بعـده وسـار إلـى حلـب وبقـي عنـد السلطـان بدمشق ولده الملك الأفضل والقاضي الفاضـل وكـان الملـك العـادل قد استأذن السلطان وسار من القدس إلى الكرك لينظر في مصالحه ثـم عـاد الملـك العـادل إلـى دمشـق طالباً البلاد الشرقية التي صارت له بعد تقي الدين فوصل إلى وفـي يـوم الخميـس السـادس والعشريـن مـن شوال من هذه السنة توفي الأمير سيف الدين علي بن أحمد المشطـوب بنابلـس وكانـت إقطاعـه فوقـف السلطـان ثلـث نابلـس علـى مصالـح القـدس وأقطع الباقي للأمير عماد الدين أحمد بن سيف الدين علي بن المشطوب وأميرين معه. وأخبار الذين تولوا بعده فـي هـذه السنـة أعنـي سنـة ثمـان وثمانيـن وخمسمائـة في منتصف شعبان توفي السلطان عز الدين قليـج أرسلـان بـن مسعـود بـن قليـج أرسلـان بـن سليمـان بـن قطالـوش بن أرسلان يبغو بن سلجوق. وكان ملكه في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وكان ذا سياسة حسنة رهيبة عظيمة وعدل وافر وغزوات كثيرة وكان له عشرة بنين قد ولى كل واحد منهم قطراً من بلاد الروم وأكبرهم قطب الدين ملكشاه بن قليج أرسلان المذكور وكان قد أعطاه أبوه سيواس فسولت له نفسه القبض على أبيه وإخوته والانفـراد بالسلطنـة وساعـده علـى ذلـك صاحـب أرزنكـات فسـار قطب الدين ملكشاه وهجم على والده قليج أرسلان بمدينة قونية. وقبض عليه وقال لوالده وهو في قبضتـه: أنـا بيـن يديـك أنفـذ أوامـرك. ثـم إنـه أشهـد علـى والـده بأنـه قـد جعلـه ولـي عهـده. ثـم مضى ملكشاه المذكور إلى حرب أخيه نور الدين سلطان شاه صاحب قيسارية ووالده في القبضة معه وهو يظهر أن ما يفعله إنما هو بأمر والده فخرج عسكر قيسارية لحربه فوجد أبوه عز الدين قليج أرسلان عند اشتغال العسكر بالقتال فرصة فهـرب إلـى ولـده سلطـان شـاه صاحـب قيساريـة فأكرمـه وعظمـه كمـا يجـب عليـه فرجـع قطـب الديـن ملكشاه إلى قونية وخطب لنفسه بالسلطنة وبقي أبوه قليج أرسلان يتردد في بلاده بين أولاده كلما ضجر منه واحد منهم ينتقل إلى الآخر حتى حصل عند ولده غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان صاحب برغلو فقوى أباه قليج أرسلان وأعطاه وجمع له وحشد وسار معه إلى قونية فملكها وأخذهـا مـن ابنـه ملكشـاه ثـم سـار إلى أقصرا فاتفق أن عز الدين قليج أرسلان مرض ومات في التاريخ المذكور فأخذه ولده كيخسرو وعاد به إلى قونية فدفنه بها. واتفق موت ملكشاه بعد موت أبيه قليج أرسلان بقليل فاستقر كيخسرو في ملك قونية وأثبت أنه ولي عهد أبيه قليج أرسلان. ثم إن ركن الدين سليمان أخا غياث الدين كيخسرو قوي على أخيه كيخسـرو وأخـذ منـه قونية فهرب كيخسرو إلى الشام مستجيراً بالملك الظاهر صاحب حلب ثم مات ركن الدين سليمان سنة ستمائة وملك بعده ولده قليج أرسلان بن سليمان فرجع غياث الدين كيخسرو بن قليج أرسلان إلى بلاد الروم وأزال ملك قليج أرسلان بن سليمان وملك بلاد الروم جميعها واستقرت له السلطنة ببلاد الروم وبقي كذلك إلى أن قتل وملك بعده ابنه عز الدين كيكاؤوس بن كيخسرو ثم توفي كيكاؤوس وملك بعده أخوه السلطان علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو وتوفـي عـلاء الديـن كيقبـاذ سنـة أربـع وثلاثيـن وستمائة وملك بعده ولده غياث الدين كيخسرو بن كيقبـاذ بـن كيخسرو كسره التتر سنة إحدى وأربعين وستمائة وتضعضع حينئذ ملك السلاطين السلجوقية ببلاد الروم ثم مات غياث الدين كيخسرو بن كيقباذ بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلومش بن أرسلان بن سلجوق وانقضى بموت كيخسـرو المذكـور سلاطيـن بلـاد الـروم فـي الحقيقـة لـأن مـن صار بعده لم يكن له من السلطنة غير مجرد الاسم وخلف كيخسرو المذكور صبيين هما: ركن الدين وعز الدين. فملكا معاً مدة مديدة ثم انفرد ركن الدين بالسلطنة وهرب أخوه عز الدين إلى قسطنطينية وتغلب على ركن الدين معين الدين البرواناه والبلاد في الحقيقة للتتر ثم إن البرواناه قتـل ركـن الديـن وأقـام ابنـاً لركن الدين يخطب له بالسلطنة والحكم للبرواناه وهو نائب التتر على ما سنذكره إن شاء الله تعالى. ذكر غير ذلك من الحوادث: في هذه السنة غزا شهاب الدين الغوري الهند فغنم وقتل ما لا يحصى وفيها خرج السلطان طغريـل بن أرسلان بن طغريل من الحبس بعد قتل قزل أرسلان بن الدكز وكان قزل قد اعتقله وفيهـا توفـي راشـد الديـن سنـان بـن سليمـان بـن محمـد وكنيتـه أبـو الحسـن صاحـب دعـوة الإسماعيلية بقلاع الشام وأصله من البصرة. أبي المظفر يوسف بن أيوب بن شادي وشيء عن أخباره: دخلت هذه السنة والسلطان بدمشق على أكمل ما يكون من المسرة وخرج إلى شرقي دمشق متصيـداً وغـاب خمسـة عشر يوماً وصحبة أخوه الملك العادل. ثم عاد إلى دمشق وودعه أخوه الملك العادل وداعاً لا لقاء بعده فمضى إلى الكرك وأقام فيه حتى بلغه وفاة السلطان وأقام السلطان بدمشق وركب في يوم الجمعة خامس عشر صفر وتلقى الحجاج وكـان عادتـه ألا يركب إلا وهو لابس كزاغند فركب ذلك اليوم وقد اجتمع بسبب ملتقى الحجاج وركوبه عالم عظيم ولم يلبس الكزاغند ثم ذكره وهو راكب فطلب الكزاغند فلم يجده وقد حملوه معه ولما التقى الحجاج استعبرت عيناه كيف فاته الحج ووصل إليه مع الحجاج ولد أخيه سيف الإسلام صاحب اليمن. ثم عاد السلطان بين البساتين إلى جهة المنيبع ودخل إلى القلعة على الجسر إليها وكانت هذه آخر ركباته فلحقـه ليلـة السبـت سـادس عشـر صفـر كسـل عظيـم وغشيه نصف الليل حمى صفراوية وأخذ المرض في التزايد وقصده الأطباء في الرابع فاشتد مرضـه وحـدث به في التاسع رعشة وغاب ذهنه وامتنع من تناول المشروب واشتد الإرجاف في البلد وغشي الناس من الحزن والبكاء عليه ما لا يمكن حكايته وحقن في العاشر حقنتين فحصل له راحة وتناول من ماء الشعير مقداراً صالحاً ثم لحقه عرق كثير حتـى نفـذ مـن الفراش واشتد المرض ليلة الثاني عشر من مرضه وهي ليلة السابع والعشرين من صفر وحضر عنده الشيخ أبو جعفر إمام الكلاسة ليبيت عنده في القلعة بحيث إن احتضـر بالليـل ذكـره الشهادة وتوفي السلطان في الليلة المذكورة أعني في الليلة المستقرة عن نهار الأربعاء السابع والعشرين من صفر بعد صلاة الصبح من هذه السنة أعني سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وبادر القاضي الفاضل بعد صلاة الصبح فحضر وفاته ووصل القاضي بهاء الدين بن شداد بعد موته وانتقاله إلى رحمة الله وكرامته وغسله الفقيه الدولعي خطيب دمشق وأخرج بعد صلـاة الظهـر مـن نهـار الأربعـاء المذكـور فـي تابـوت مسجـى بثـوب وجميـع ما احتاجوا من الثياب في تكفينه أحضره القاضي الفاضل من جهة حل عرفه وصلى عليه الناس ودفن في قلعة دمشق في الدار التي كان مريضاً فيها وكان نزوله إلى جدثه وقت صلاة العصر من النهار المذكور وكـان الملك الأفضل ابنه قد حلف الناس له قبل وفاة والده عندما اشتد مرضه وجلس للعزاء فـي القلعـة وأرسـل الملـك الأفضـل علـى الكتـب بوفـاة والـده إلـى أخيـه العزيز عثمان بمصر وإلى أخيه الظاهـر غازي بجلب وإلى عمه الملك العادل أبي بكر بالكرك. ثم إن الملك الأفضل عمل لوالده تربـة قرب الجامع وكانت داراً لرجل صالح ونقل إليها السلطان يوم عاشورا سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة ومشى الملك الأفضل بين يدي تابوته وأخرج من باب القلعة على دار الحديث إلى بـاب البريـد وأدخـل الجامـع ووضـع قدام الستر وصلى عليه القاضي محيط الدين بن القاضي زكي الدين ثم دفن وجلس ابنه الملك الأفضل في الجامع ثلاثة أيام للعزاء وأنفقت ست الشام بنت أيوب أخت السلطان في هذه النوبة أموالاً عظيمة. وكـان مولـد السلطـان صلـاح الدين بتكريت في شهور سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة فكان عمره قريباً من سبع وخمسين سنة وكانت مدة ملكه للديار المصرية نحو أربع وعشرين سنة وملكه الشام قريباً من تسع عشرة سنة وخلف سبعة عشر ولدا ذكراً وبنتاً واحدة وكان أكبر أولاده الملك الأفضل نور الدين علي بن يوسف ولد بمصر سنة خمس وستين وخمسمائة وكان العزيز عثمان أصغر منه بنحو سنتين وكان الظاهر صاحب حلب أصغر منهما وبقيت البنت حتى تزوجها ابن عمها الملك الكامل صاحب مصر ولم يخلف السلطان صلاح الدين في خزانته غير سبعة وأربعين درهماً وحرم واحد صوري وهذا من رجل له الديار المصرية والشام وبلاد الشرق واليمن دليل قاطع على فرط كرمه ولم يخلف داراً ولا عقاراً. قال العمـاد الكاتـب: حسبـت مـا أطلقـه السلطـان فـي مـدة مقامـه بمرج عكا من خيل عراب وأكاديش فكان اثني عشر ألـف رأس وذلـك غيـر مـا أطلقـه مـن أثمـان الخيـل المصابة في القتال ولم يكن له فرس يركبه إلا وهو مرهوب أو موعود به ولم يؤخر صلاة عن وقتها ولا صلى إلا في جماعة وكان إذا عزم على أمر توكل على الله ولا يفضل يوماً على يوم وكان كثير سماع الحديث النبوي قرأ مختصراً في الفقه تصنيف سليم الداري وكان حسن الخلق صبوراً على ما يكره كثير التغافل عن ذنوب صحابه يسمع من أحدهم ما يكره ولا يعلمه بذلك ولا يتغير عليه وكان يومـاً جالسـاً فرمـى بعض المماليك بعضاً بسر موزة فأخطأته ووصلت إلى السلطان فأخطأته ووقعت بالقرب منه فالتفـت إلـى الجهـة الأخرى ليتغافل عنها وكان طاهر المجلس فلا يذكر أحد في مجلسه إلا بالخير وطاهر اللسان فما يولع بشمتم قط. قـال العمـاد الكاتـب: مـات بمـوت السلطـان الرجـال وفـات بوفاتـه الأفضال وغاضت الأيادي وفاضت الأعادي وانقطعت الأرزاق وادلهمت الآفاق وفجع الزمان بواحده وسلطانه ورزئ الإسلام بمشيد أركانه. ذكر ما استقر عليه الحال بعد وفاة السلطان: لما توفي السلطان الملك الناصر صلاح الدين استقر في الملك بدمشق وبلادها المنسوبة إليها ولده الملك الأفضل نور الدين علي وبالديار المصرية العزيز عماد الدين عثمان. وبحلب الملك الظاهر غياث الدين غازي. وبالكرك والشوبك والبلاد الشرقية الملك العادل سيف الدين أبو بكر بن أيوب. وبحماة وسلمية والمعرة ومنبج وقلعة نجم الملك المنصور ناصر الدين محمد ابن الملك المظفر تقي الدين عمر. وببعلبك الملك الأمجد مجد الدين بهـرام شـاه بـن فرخشـاه بـن شاهنشـاه بـن أيـوب. وبحمـص والرحبـة وتدمـر شيركـوه بـن محمـد بـن شيركـوه بن شاذي. وبيد الملك الظافـر خضـر بن السلطان صلاح الدين بصرى وهو في خدمة أخيه الملك الأفضل وبيد جماعة من أمراء الدولة بلاد وحصون منهم سابق الدين عثمان بن الداية بيـده شيـزر وأبـو قبيـس وناصـر الديـن بـن كـورس بـن خمار دكين بيده صهيون وحصن برزية. وبدر الدين دلدرم بن بهاء الدين ياروق بيده تل باشر. وعز الدين أسامة بيده كوكب وعجلون. وعز الدين إبراهيم بن شمس الدين بن المقدم بيده بعرين وكفر طاب وفامية. والملك الأفضل هو الأكبر مـن أولـاد السلطـان والمعهـود إليـه بالسلطنـة واستـوزر الملـك الأفضل ضياء الدين نصر الله بن محمد بن الأثير مصنف المثل السائر وهو أخو عز الدين بن الأثير مؤلف التاريخ المسمى بالكامل فحسن للملك الأفضل طرد أمراء أبيه ففارقوه إلى أخويه العزيز والظاهر. قـال العماد الكاتب: وتفرد الوزير في توزره ومد الجزري في جزره ولما اجتمعت أكابر الأمراء بمصر حسنوا للملك العزيز الانفراد بالسلطنة ووقعوا في أخيه الأفضل فمال إلى ذلك وحصلت الوحشة بين الأخوين الأفضل والعزيز. وفي هذه السنة بعد موت السلطان قدم الملك العادل من الكرك إلى دمشق وأقام فيها وظيفة العزاء على أخيه ثم توجه إلى بلاده التي وراء الفرات. ذكر حركة عز الدين مسعود صاحب الموصل إلى البلاد الشرقية التي بيد الملك العادل وعوده وموته: في هذه السنة لما مات السلطان صلاح الدين كاتب عز الدين مسعود بن مودود بن عماد الدين زنكي بن أقسنقر صاحب ملوك البلاد المجاورين للموصل يستنجدهم ولذلـك اتفـق مـع أخيه عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي صاحب سنجار وسار إلى جهة حران وغيرها فلحق عز الدين مسعود إسهال قوي وضعف فترك العسكر مع أخيه عماد الدين وعاد إلى الموصل وصحبته مجاهد الدين قيماز فحلف العسكر عز الدين لابنه أرسلان شاه بن مسعود ابـن مـودود بـن زنكـي بـن أقسنقر وقوي بعز الدين مسعود المرض وتوفي في السابع والعشرين من شعبان من هذه السنة فكانت مدة ما بين وفاته ووفاة السلطان صلاح الديـن نصـف سنـة وكانـت مـدة ملك عز الدين مسعود للموصل ثلاث عشرة سنة وستة أشهر وكان ديناً خيراً كثير الإحسان وكان أسمر مليح الوجه خفيف العارضين يشبه جده عماد الدين زنكي واستقر في ملك الموصل بعده ولده أرسلان شاه وكان القيم بأمره مجاهد الدين قيماز. ذكر قتل بكتمر صاحب أخلاط: فـي هذه السنة في أول جمادى الأولى قتل سيف الدين بكتمر صاحب أخلاط وكان بين قتله وبين موت السلطان صلاح الدين شهران ولما بلغ بكتمر موت السلطان صلاح الدين سرف في إظهار الشماتة بموت السلطان وضـرب البشائـر ببلـاده وفـرح فرحـاً كثيـراً وعمـل تختـاً يجلـس عليه ولقب نفسه السلطان المعظم صلاح الدين وكان اسمه بكتمر فسمى نفسه الملك العزيـز فلم يمهله الله تعالى وكان هذا بكتمر من مماليك ظهير الدين شاهرمن وكان له خشداش اسمه هزار ديناري وكان قد قوي وتزوج ابنة بكتمر وطمع في الملك فوضع على بكتمر من قتله ولما قتل ملك بعده هزار ديناري خلاط وأعمالها واسم هزار ديناري المذكور أقسنقر ولقبه بدر الدين جلبه تاجر جرجاني اسمه علي إلى أخلاط فاشتراه منـه شاهرمـن سكمـان بـن إبراهيم وأعجب به شاهرمن فجعله ساقياً له ولقبه هزار ديناري وبقي على ذلك برهة من الزمان فلما تولى بكتمر على مملكة أخلاط بقي المذكور من أكبر الأمراء وتزوج ببنت بكتمر عينا خاتـون فلمـا قتـل بكتمـر خلـف ولـداً فأخـذ هـزار دينـاري المذكـور ولـد بكتمـر وأمـه واعتقلهما بقلعة أرزاس بموش وكان عمر ابن بكتمر إذ ذاك نحو سبع سنين واستمر بدر الدين أقسنقـر هـزار ديناري في مملكة أخلاط حتى توفي في سنة أربع وتسعين وخمسمائة وحسبما سنذكره إن شاء الله تعالى. ذكر غير ذلك: فـي هـذه السنـة شتـى شهـاب الديـن الغـوري فـي برشـاوور وجهـز مملوكـه أيبـك في عساكر كثيرة إلى بلـاد الهنـد ففتـح وغنـم وعـاد منصـوراً مؤيـداً. وفيهـا توفـي سلطان شاه بن أرسلان بن أطسز ابن محمد بن أنوشتكين وكان قد ملك مرو وخراسان ولما مات انفرد أخوه تكش بالمملكة وقد تقدم ذكرهما في سنة ثمان وستين وخمسمائة. وفيها مات الأمير داود بن عيسى بن محمد بن أبي هاشم أمير مكة وما زالت إمارة مكة له تارة ولأخيه مكثر تارة حتى مات. كان طغريل بن أرسلان بن طغريل بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل السلجوقي قد حبسه قزل أرسلان بن الدكز وخرج طغريل من الحبس في سنة ثمان وثمانين وخمسمائـة وملـك همـذان وغيرهـا وجـرى حـرب بينـه وبيـن مظفر الدين أزبك بن البهلوان محمد ابن الدكز وقيل بل هو قطلغ إينانج أخو أزبك المذكور فانهزم ابن البهلوان ثم إن ابن البهلوان بعد هزيمته استنجد بخوارزم شاه علاء الدين تكش فخاف منه فلم يجتمع بخوارزم شاه فسار خوارزم شاه تكش وملك الري وذلك في سنة ثمان وثمانين. وبلـغ تكش أن أخاه سلطان شاه قد قصد خوارزم فصالح طغريل السلجوقي وعاد تكش إلى خوارزم وبقي الأمر كذلك حتى مات سلطان شاه في سنة تسع وثمانين وخمسمائة فتسلم تكش مملكة أخيه سلطان شاه وخزانته وولى ابنه محمد بن تكش نيسابور وولى ابنه الأكبر ملكشاه بن تكش مرو. ولما دخلت سنة تسعين سار تكش إلى حرب طغريل السلجوقي فسار طغريل إلى لقائه قبل أن يجمع عساكره والتقى العسكران بالقرب من الري وحمل طغريل بنفسه. فقتل وكان قتله في الرابـع والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة وحمل رأس طغريل إلى تكش فأرسله إلى بغداد فنصب بها عدة أيام وسار تكش فملك همذان وتلك البلاد جميعها وسلم بعضها إلى ابن البهلوان وأقطع بعضها لمماليكه ورجع إلى خوارزم. وهذا طغريل بن أرسلان شاه بن طغريل بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق هو آخر السلاطين السلجوقية الذين ملكوا بلاد العجم وقد تقدم ذكر ابتـداء الدولـة السلجوقيـة في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة وأول من ملك منه العراق وأزال دولة بنـي بويـه طغريـل بـك ابـن ميكائيـل بـن سلجـوق. ثـم ملك بعده ابن أخيه ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل ثم ابنه ملكشاه بن ألب أرسلان ثم ابنه محمود بن ملكشاه وكان طفلاً فقامت بتدبير المملكة أم محمود تركان خاتون ومات محمود وهو ابن سبع سنيـن وملـك أخـوه بركيـارق بـن ملكشـاه. ثـم أخـوه محمـد بن ملكشاه. ثم ابنه محمود بن محمد المذكور. ثم ابنه داود بن محمود ابـن محمـد المذكـور مـدة يسيـرة ثـم عمـه طغريـل بـن محمـد ثـم أخـوه مسعـود بـن محمـد ثـم ابـن أخيـه ملكشـاه بـن محمـود بـن محمد أياماً يسيرة ثم أخوه محمد بن محمود ثم بعد محمد المذكور اختلفت العساكر وقام من بني سلجوق ثلاثة أحدهم ملكشاه بن محمود أخو محمد المذكور والثاني سليمان شاه بن محمد ابن السلطان ملكشاه وهو عم محمد المذكور والثالث أرسلان شاه بن طغريل بن محمد ابن السلطان ملكشاه. وكان الدكز مزوجاً بأم أرسلان شاه المذكور فقـوي عليهما سليمان شاه واستقر فـي همـدان فـي سنـة خمـس وخمسيـن وخمسمائـة ثـم قبـض سليمـان شـاه وقتل وكذلك سم ملكشاه بن محمود المذكور ومات بأصفهان في السنة المذكورة أعني سنة خمـس وخمسيـن وخمسمائـة. وانفـرد بالسلطنة أرسلان شاه بن طغريل ربيب الدكز ثم ملك بعده ابنـه طغريـل بـن أرسلـان شاه بن طغريل المذكور في سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وجرى له ما ذكرناه حتى قتله تكش في هذه السنة أعني سنة تسعين وخمسمائة وانقرضت به الدولـة السلجوقية من تلك البلاد. ذكر غير ذلك: في هذه السنة أرسل الخليفة الإمام الناصر عسكراً مـع وزيـره مؤيـد الديـن محمـد بـن علـي المعـروف بابـن القصـاب إلـى خورستـان وهـي بلـاد شملـة وأولـاده مـن بعـده وكـان قـد مات صاحبها ابن شملة فاختلفت أولاده فوصل عسكر الخليفة إلى خورستان وملكوا مدينة تستر في المحرم سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وغيرها من البلاد وكذلك ملكوا قلعة الناطر وقلعة كاكـرد وقلعة لاموج وغيرها من القلاع والحصون فأنفذوا بني شملة أصحاب بلاد خورستان إلى بغداد. وفـي هـذه السنـة أعنـي سنـة تسعيـن و خمسمائـة استحكمت الوحشة بين الأخوين العزيز والأفضل ابنـي السلطـان صلـاح الدين فسار العزيز في عسكر مصر وحصر أخاه الأفضل بدمشق فأرسل الأفضل إلى عمه العادل وأخيه الظاهر وابن عمه الملك المنصور صاحب حمـاة يستنجدهـم فساروا إلى دمشق وأصلحوا بين الأخوين ورجع العزيز إلى مصر ورجع كل ملك إلى بلده وأقبل الملك الأفضل بدمشق على شرب الخمر وسماع الأغاني والأوتار ليـلاً ونهـاراً وأشـاع ندماؤه أن عمه الملك العادل حسن له ذلك وكان يعمله بالخفية فأنشده العادل: فلا خير في اللذات من دونها ستر فقبل وصية عمه وتظاهر بذلك وفوض أمر المملكة إلى وزيره ضياء الدين بن الأثير الجزري يدبرها برأيه الفاسد. ثم إن الملك الأفضل أظهر التوبة عن ذلك وأزال المنكرات وواظب على الصلوات وشرع في نسخ مصحف بيده. وفيها سار ابن القصاب وزير الخليفة بعد ملك خورستان إلى همذان فملكها وملك غيرها من بلاد العجم وأخذ يستولي على سائر البلاد للخليفة فتوفي مؤيد الدين بن القصاب المذكور في أوائل شعبان سنة اثنين وتسعين وخمسمائة. وفيها غزا ملك الغرب يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن الفرنج بالأندلس وجرى بينهم مصاف عظيم انتصر فيه المسلمون وقتل من الفرنج ما لا يحصى وولوا منهزمين وغنم المسلمين منهم ما لا يحصى. وفيهـا جهـز الخليفة الإمام الناصر عسكراً مع مملوك له يقال له سيف الدين طغريل فاستولوا على أصفهان. وفيها قدم مماليك البهلوان عليهم مملوكاً من البهلوانية يقال له كلجا فعظم أمر كلجا واستولى على الري وهمذان. وفيها عاود الملك العزيز عثمان صاحب مصر قصد الشام ومنازلة أخيه الملك الأفضل فسار ونزل الغوار من أرض السواد من بلاد دمشق فاضطرب بعض عسكر العزيز عليه وهم طائفة من الأمراء الأسدية وفارقوه فبادر العزيز العود إلى مصر بمن بقي معه من العسكر وكان الملك الأفضل قد استنجد بعمه الملك العادل لما قصده أخوه العزيز. فلما رحل العزيز عائداً إلى مصر رحـل الملـك الأفضـل وعمـه العـادل ومـن انضـم إليهمـا مـن الأسدية وساروا في إثر العزيز طالبين مصر فساروا حتى نزلوا على بلبيس وقد ترك فيها العزيز جماعة من الصلاحية وقصد الملك الأفضـل مناجزتهـم بالقتـال فمنعـه العـادل عـن ذلـك فقصد الأفضل المسير إلى مصر والاستيلاء عليهما فمنعه عمه العادل أيضاً عن ذلك وقال: مصر لك متى شئت وكاتب العادل العزيز في الباطن وأمره بإرسال القاضي الفاضل ليصلح بين الأخوين وكان القاضي الفاضل قد اعتزل عن ملابستهم لما رأى من فساد أحوالهم فدخل عليه الملك العزيز وسأله فتوجه القاضي الفاضل من القاهرة إلى عند الملك العادل واجتمع به واتفقا على أن يصلحا بين الأخوين فأصلحا بينهما وأقام الملك العادل بمصر عند العزيز ابن وفيهـا كـان بيـن يعقـوب بـن يوسـف بـن عبـد المؤمـن ملك الغرب وبين الفرنج بالأندلس شمالي قرطبة حروب عظيمة انتصر فيها يعقوب وانهزم الفرنج.
|